خالد بن الوليد
يقول خالد أتيت المدينة لأسْلِم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلت حيياً خجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قام وحياني، وهش وبش في وجهي وعانقني. عانقه صلى الله عليه وسلم معانقة الأبطال، وحياه محيا الشجعان، لأنه سوف يكون سيفاً في يده صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك اللحظة أعطاه صلى الله عليه وسلم حقه في الإسلام .. احترمه وقدره، وأنزله منزلته؛ لأن الله أخرجه حياً من ظهر ميت كافر عنيد.
بطولات خالد يوم معركة مؤتة
وتأتي معركة مؤتة بين المسلمين والكفار، قريباً من معان في أرض الأردن ، ويحضرها خالد مع جنود الله .. مع الذين يشهدون أن لا إله إلا الله بحق، كانوا ثلاثة آلاف من المسلمين، والروم ما يقارب مائتي ألف .. مائتا ألف كافر يقابلون ثلاثة آلاف، قُتِل قواد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة؛ زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، فنادى المسلمون بعضُهم بعضاً: أين أبو سليمان ليأخذ الراية؟ فأخذ الراية بيساره، ونزل في أرض المعركة نزول الأبطال، وقال للمسلمين: احموا ظهري وناولوني السيوف؛ ناولوه السيف الأول -كما يقول ابن جرير - فأخذ يضرب به من صباح النهار في صدور أعداء الله وفي نحور الفجرة المعارضين لدين الله حتى تكسر .. ناولوه السيف الثاني، والثالث، والرابع، حتى كسر تسعة أسياف في يديه وهو يضرب أعداء الله، وقتل عدداً كثيراً من الكفار، وما ثبت في يده إلا صفيحة يمانية، كان يضرب بها في صدور الأعداء، وانتهت المعركة بالنصر لعباد الله الموحدين، استقبله صلى الله عليه وسلم وحياه وعانقه، ودعا له بالأجر والمثوبة.
موقف خالد يوم فتح مكة
ويأتي فتح مكة ، يوم فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، يوم قال الله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] دخل صلى الله عليه وسلم ومعه عشرة آلاف مقاتل من الصحابة، وقد أخضع الله له الشرك والمشركين .. تساقطت الأصنام بين يديه، ماذا فعل؟ هل تكبر كما يتكبر المتكبرون؟ هل تجبر كما يتجبر المجرمون يوم يروعون الآمنين، وينتهكون أعراض المسلمين، ويدَّعون أنهم مجاهدون، ويصفق لهم المتآمرون المدعون الإسلام وما أظنهم بمسلمين؟ لم يتكبر بل نكَّس رأسه، ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم حتى أن لحيته تمس رحل ناقته، أما خالد فكان من أبطال هذا الجيش، كان من جهة شرقي مكة ، من الخندمة يقود الكتائب المسلمة -كتائب تموج كموج البحر- فتلقاه عكرمة بن أبي جهل قبل إسلامه بجيش كافر يريد أن يصد هجوم خالد ، فتظاهر خالد بالهزيمة وتراجع إلى الصحراء، فظن الكفار أنه انهزم، وما كان له أن ينهزم والله معه، فلما خرجوا إلى الصحراء، عاد بجيشه يُعْمِل سيفه فيهم حتى أدخلهم بيوتهم، ودخل أحد الكفار بيته وأغلق عليه بابه، وكان معه سيف يشحذه بالسم شهراً، يقول: أقتل به محمداً -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلما فر من خالد قالت له امرأته تعيره: أين سيفك؟ ما أغنى عنك شيئاً -تشحذه بالسم شهراً فما أغنى عنك- قال لها مرتجزاً:
إنكِ لو شهدتِ يوم الخندمةْ
إذ فر صفوان وفر عكرمة
والمسلمون خلفنا في غمغمةْ
يلاحقونا بالسيوف المسلمة
لم تنطقي باللوم أدنى كلمةْ
ودخل خالد وشكر الله سعي خالد الذي لم يهزم في معركة.
بطولات خالد في قتال المرتدين
ثم تُفْجَع الأمة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبو بكر الصديق ، فيعرف أن خالداً سيفٌ سلَّه اللهُ على المشركين ما كان له أن يُغمده، فأخرج الله وساوس الشيطان من رءوس المرتدين على يدِ خالد ، وأوَّلُهم مسيلمة الكذاب ، خرج في اليمامة يدَّعي النبوة، يدعي أن الله أرسله وأنه يوحِي إليه، نعم.كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112]^.
لما سمع أبو بكر أن مسيلمة ادعى النبوة في اليمامة وقف على المنبر، وأخذ راية لا إله إلا الله، وقال: آدَّعَى مسيلمة النبوة؟! والله لأزلين وساوس الشيطان من رأسه بـأبي سليمان خالد بن الوليد ، قم يا خالد خذ الراية وقاتله حتى تقطع دابره من الأرض.
وخرج في جيش من أهل بدر ، وغيرهم من الصحابة، فلما تلاقى الجمعان، كان جيش بني حنيفة كثيفاً جداً، كالجبال يمور موراً، فلما رآهم الصحابة قال بعضهم: فلنلتجئ إلى سلمى وأجا -جبلين في حائل - فدمعت عينا خالد ، وقال: إنما ننتصر عليهم بهذا الدين: [[ لا إلى سلمى وإلى أجا ، ولكن إلى الله الملتجا
]].
لا إله إلا الله! ما أعظم اليقين! ثم تكفن، ولبس جيشه أكفانه، ولسان حالهم يقول: فإما حياة بعز وإلا ممات وشهادةْ.
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
لما رأى بنو حنيفة خالداً أصابهم الهلع والرعب في قلوبهم، وأنزل الله الهزيمة بهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]^، وقتل الله مسيلمة الكذاب ، وانتهت هذه الأسطورة؛ لأن من كان مع الله كان الله معه، ومن قاتل بالله كان النصر في حوزته: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]^.
خالد يوم اليرموك
وتستمر الأيام، وخالد من نصر إلى نصر، ومن معركة إلى معركة، ويصل إلى اليرموك ، ويقف في جنود الله، في ثلاثين ألفاً يقاتلون مائتين وأربعين ألفاً، قال بعض المسلمين: [[يا خالد ! ما أكثر الروم! قال له: اسكت، بل ما أقل الروم! إنما يكثر القوم بنصر الله، وددتُ أنهم قد أضعفوا لنا العدد وأن الأشقر قد برئ من وجعه ]]^.
الله أكبر! شفاء عقب فرس خالد بربع مليون جندي.
لبس أكفانه، وقال: موعود الله أتى، وخرج وصفَّ جيشه، فخرج له قائد من قادات الروم يقال له جرجة عليه السلاح والرماح، فلما خرج على فرسه لقيه خالد فقال جرجة : يا خالد ! اصدقني في هذا اليوم ولا تكذبني، لماذا خرجتم؟ قال: خرجنا لندعو الناس إلى (لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، قال له جرجة : فمن أطاعكم؟ قال: من كان منا وكان أفضل منا، قال: كيف يكون أفضل منكم؟! قال: لأننا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وآياته فصدقناه، ومن آمن الآن لم يره، فيؤمن بالغيب، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأخذه خالد إلى خيمته، وأنزله فيها، وقال: اغتسل وتوضأ وصلِّ ركعتين، واخرج معنا، علَّ الله أن يرزقك الشهادة، فتوضأ بعد أن اغتسل وصلى ركعتين وخرج، فقاتل حتى استشهد، فقال خالد : رحمك الله! عَمِلت قليلاً وأجرت كثيراً.
ولما رأى الروم هذا الموقف ذُهلوا
وأخرجوا له ابن قوقل وهو فاجر من الفجار، فلما رآه خالد أراد أن يدعوه كما دعا جرجة إلى الإسلام فعرض عليه الإسلام ولكن الله طبع على قلبه، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه، فلما علم أن لا حل معه، قال ابن قوقل : يا خالد لماذا جئتم؟
قال: نحن قوم نشرب الدم، وسمعنا أن أحسن الدماء وألذها دماء الروم، فجئنا اليوم نشرب دماءكم
فأوقع الله الرعب في قلوبهم، وبدأت المعركة، وتنتهي بالنصر، وجاءوا بالشهداء، وجلس خالد يستقبل الشهداء، يُحملون على أكتاف الرجال، وجاء صديقه عكرمة ، فوضع وهو مقتول بين يديه في آخر رمق، وفي آخر سكرة، وهو ينظر إلى خالد .. دموعه تسيل على خديه، ودموع خالد تسيل على خديه، ويؤتى بثلاثة من الشهداء في آخر رمق من الحياة، فيصيح خالد عليَّ بالماء؛ ليشربوا فقُدِّم لهم ماء بارد في شدة حرارة الصيف، وقد انتهوا من المعركة، فأعطى خالد الماء لـعكرمة ، فرفض أن يشرب وأشار إلى أخيه أن يشرب قبله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]^ أعطى خالد زميل عكرمة الماء، فأشار إلى زميله، وأشار الزميل إلى زميله، فعاد الماء إلى عكرمة ، فإذا هو قد مات، وعاد إلى الثاني، فالثالث، فالرابع، فإذا هم قد ماتوا، فجهش خالد بالبكاء، ورمى بالكوب مليئاً بالماء البارد، وقال: [[ يا رب! اسقهم من جنتك فإنهم تركوا الماء البارد لمرضاتك ]].
وأثناء معركة اليرموك مات أبو بكر رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه،
فكان أول مرسوم اتخذه عمر في خلافته الجديدة أن يعزل خالد بن الوليد ويولي أبا عبيدة ،
ويأتي الأمر أبا عبيدة ، فيُخفي كتاب عمر ، ولا يخبر خالداً ، ولما انتهت المعركة، قام أبو عبيدة وأخبر خالداً ،
فقال خالد : [[ولِمَ لا تخبرني؟ والله ما قاتلتُ بالأمس لـعمر ، ولن أقاتل اليوم لـعمر ، ولكني أقاتل لله رب العالمين ]]^ يقاتل لله وهو قائد، ويقاتل لله بعد أن يعزل وهو جندي، لأن من أراد بعمله وجه الله آجره الله، ورفع الله مثوبته، لا يهمه منصب ولا قيادة، ومن أراد بعمله الدنيا، فما له عند الله من خلاق.
ليت أبا سليمان وأمثال أبي سليمان يعلمون أننا اليوم قست قلوبنا بالشهوات .. أصابتنا العطالة، والبطالة، والتهور، والكسل عن أفرض فرائض الإسلام، وعن أكبر أركان الإسلام، وعن ذروة سنام الإسلام، نسكن الفلل، ونجلس على الفرش الوثيرة، ونركب السيارات .. أقوياء في الدنيا .. شجعان للدرهم والريال .. أذكياء في أعمالنا ووظائفنا، وفيما يجلب لنا العيش في هذا الدنيا؛ لكننا مع الله لم نقم بواجبنا، وصحابة رسول الله في جوع وشدة وعطش ولكنهم في جهاد، يقومون الليل ويصومون النهار، ويتلون كتاب الله، ويجاهدون في سبيل الله.
يا رب فابعث لنا مِن مثلِهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
يا أمة الإسلام هبوا واعملوا فالوقت راحْ
<< الكفر جمع شمله فلم النزاع والانبطاحْ
<< يا ألف مليون وأين هُمُ إذا دعت الجراح
إنهم أسود على بعضهم، نعاج مع أعدائهم.
يا أحفاد خالد ! يا أبناء الكرام! يا أبناء من أنار بالإسلام المعمورة! يا أحفاد من بنى منائر الحق! مَن غير أجدادكم رفع (لا إله إلا الله)؟ مَن غير أجدادكم سجد لله؟ سلوا المحيطات والبراري والقفار والبحار عن أجدادكم:
سلوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحْمَدِيَّا
أنتم كَهُمْ، ومَن يشابه أبَهُ فما ظلم.
فلنعد عودة صادقة لهذا الدين، ولنتحمس لهذا الدين .. كيف لا يكون ذلك وآباؤنا هم الذين رفعوا راية الله، لكن قَدْ يَخْلُفُ النارَ رمادٌ، فنعوذ بالله أن نكون الرماد، ونعوذ بالله من شر خلف بعد خير سلف، ونعوذ بالله أن نضل أو نزل أو نظن أن غيرنا سبقونا إلى المجد والكرامة.
اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
ومن تلك اللحظة أعطاه صلى الله عليه وسلم حقه في الإسلام .. احترمه وقدره، وأنزله منزلته؛ لأن الله أخرجه حياً من ظهر ميت كافر عنيد.
بطولات خالد يوم معركة مؤتة
وتأتي معركة مؤتة بين المسلمين والكفار، قريباً من معان في أرض الأردن ، ويحضرها خالد مع جنود الله .. مع الذين يشهدون أن لا إله إلا الله بحق، كانوا ثلاثة آلاف من المسلمين، والروم ما يقارب مائتي ألف .. مائتا ألف كافر يقابلون ثلاثة آلاف، قُتِل قواد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة؛ زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، فنادى المسلمون بعضُهم بعضاً: أين أبو سليمان ليأخذ الراية؟ فأخذ الراية بيساره، ونزل في أرض المعركة نزول الأبطال، وقال للمسلمين: احموا ظهري وناولوني السيوف؛ ناولوه السيف الأول -كما يقول ابن جرير - فأخذ يضرب به من صباح النهار في صدور أعداء الله وفي نحور الفجرة المعارضين لدين الله حتى تكسر .. ناولوه السيف الثاني، والثالث، والرابع، حتى كسر تسعة أسياف في يديه وهو يضرب أعداء الله، وقتل عدداً كثيراً من الكفار، وما ثبت في يده إلا صفيحة يمانية، كان يضرب بها في صدور الأعداء، وانتهت المعركة بالنصر لعباد الله الموحدين، استقبله صلى الله عليه وسلم وحياه وعانقه، ودعا له بالأجر والمثوبة.
موقف خالد يوم فتح مكة
ويأتي فتح مكة ، يوم فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ، يوم قال الله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] دخل صلى الله عليه وسلم ومعه عشرة آلاف مقاتل من الصحابة، وقد أخضع الله له الشرك والمشركين .. تساقطت الأصنام بين يديه، ماذا فعل؟ هل تكبر كما يتكبر المتكبرون؟ هل تجبر كما يتجبر المجرمون يوم يروعون الآمنين، وينتهكون أعراض المسلمين، ويدَّعون أنهم مجاهدون، ويصفق لهم المتآمرون المدعون الإسلام وما أظنهم بمسلمين؟ لم يتكبر بل نكَّس رأسه، ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم حتى أن لحيته تمس رحل ناقته، أما خالد فكان من أبطال هذا الجيش، كان من جهة شرقي مكة ، من الخندمة يقود الكتائب المسلمة -كتائب تموج كموج البحر- فتلقاه عكرمة بن أبي جهل قبل إسلامه بجيش كافر يريد أن يصد هجوم خالد ، فتظاهر خالد بالهزيمة وتراجع إلى الصحراء، فظن الكفار أنه انهزم، وما كان له أن ينهزم والله معه، فلما خرجوا إلى الصحراء، عاد بجيشه يُعْمِل سيفه فيهم حتى أدخلهم بيوتهم، ودخل أحد الكفار بيته وأغلق عليه بابه، وكان معه سيف يشحذه بالسم شهراً، يقول: أقتل به محمداً -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلما فر من خالد قالت له امرأته تعيره: أين سيفك؟ ما أغنى عنك شيئاً -تشحذه بالسم شهراً فما أغنى عنك- قال لها مرتجزاً:
إنكِ لو شهدتِ يوم الخندمةْ
إذ فر صفوان وفر عكرمة
والمسلمون خلفنا في غمغمةْ
يلاحقونا بالسيوف المسلمة
لم تنطقي باللوم أدنى كلمةْ
ودخل خالد وشكر الله سعي خالد الذي لم يهزم في معركة.
بطولات خالد في قتال المرتدين
ثم تُفْجَع الأمة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبو بكر الصديق ، فيعرف أن خالداً سيفٌ سلَّه اللهُ على المشركين ما كان له أن يُغمده، فأخرج الله وساوس الشيطان من رءوس المرتدين على يدِ خالد ، وأوَّلُهم مسيلمة الكذاب ، خرج في اليمامة يدَّعي النبوة، يدعي أن الله أرسله وأنه يوحِي إليه، نعم.كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112]^.
لما سمع أبو بكر أن مسيلمة ادعى النبوة في اليمامة وقف على المنبر، وأخذ راية لا إله إلا الله، وقال: آدَّعَى مسيلمة النبوة؟! والله لأزلين وساوس الشيطان من رأسه بـأبي سليمان خالد بن الوليد ، قم يا خالد خذ الراية وقاتله حتى تقطع دابره من الأرض.
وخرج في جيش من أهل بدر ، وغيرهم من الصحابة، فلما تلاقى الجمعان، كان جيش بني حنيفة كثيفاً جداً، كالجبال يمور موراً، فلما رآهم الصحابة قال بعضهم: فلنلتجئ إلى سلمى وأجا -جبلين في حائل - فدمعت عينا خالد ، وقال: إنما ننتصر عليهم بهذا الدين: [[ لا إلى سلمى وإلى أجا ، ولكن إلى الله الملتجا
]].
لا إله إلا الله! ما أعظم اليقين! ثم تكفن، ولبس جيشه أكفانه، ولسان حالهم يقول: فإما حياة بعز وإلا ممات وشهادةْ.
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
لما رأى بنو حنيفة خالداً أصابهم الهلع والرعب في قلوبهم، وأنزل الله الهزيمة بهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]^، وقتل الله مسيلمة الكذاب ، وانتهت هذه الأسطورة؛ لأن من كان مع الله كان الله معه، ومن قاتل بالله كان النصر في حوزته: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]^.
خالد يوم اليرموك
وتستمر الأيام، وخالد من نصر إلى نصر، ومن معركة إلى معركة، ويصل إلى اليرموك ، ويقف في جنود الله، في ثلاثين ألفاً يقاتلون مائتين وأربعين ألفاً، قال بعض المسلمين: [[يا خالد ! ما أكثر الروم! قال له: اسكت، بل ما أقل الروم! إنما يكثر القوم بنصر الله، وددتُ أنهم قد أضعفوا لنا العدد وأن الأشقر قد برئ من وجعه ]]^.
الله أكبر! شفاء عقب فرس خالد بربع مليون جندي.
لبس أكفانه، وقال: موعود الله أتى، وخرج وصفَّ جيشه، فخرج له قائد من قادات الروم يقال له جرجة عليه السلاح والرماح، فلما خرج على فرسه لقيه خالد فقال جرجة : يا خالد ! اصدقني في هذا اليوم ولا تكذبني، لماذا خرجتم؟ قال: خرجنا لندعو الناس إلى (لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، قال له جرجة : فمن أطاعكم؟ قال: من كان منا وكان أفضل منا، قال: كيف يكون أفضل منكم؟! قال: لأننا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وآياته فصدقناه، ومن آمن الآن لم يره، فيؤمن بالغيب، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأخذه خالد إلى خيمته، وأنزله فيها، وقال: اغتسل وتوضأ وصلِّ ركعتين، واخرج معنا، علَّ الله أن يرزقك الشهادة، فتوضأ بعد أن اغتسل وصلى ركعتين وخرج، فقاتل حتى استشهد، فقال خالد : رحمك الله! عَمِلت قليلاً وأجرت كثيراً.
ولما رأى الروم هذا الموقف ذُهلوا
وأخرجوا له ابن قوقل وهو فاجر من الفجار، فلما رآه خالد أراد أن يدعوه كما دعا جرجة إلى الإسلام فعرض عليه الإسلام ولكن الله طبع على قلبه، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه، فلما علم أن لا حل معه، قال ابن قوقل : يا خالد لماذا جئتم؟
قال: نحن قوم نشرب الدم، وسمعنا أن أحسن الدماء وألذها دماء الروم، فجئنا اليوم نشرب دماءكم
فأوقع الله الرعب في قلوبهم، وبدأت المعركة، وتنتهي بالنصر، وجاءوا بالشهداء، وجلس خالد يستقبل الشهداء، يُحملون على أكتاف الرجال، وجاء صديقه عكرمة ، فوضع وهو مقتول بين يديه في آخر رمق، وفي آخر سكرة، وهو ينظر إلى خالد .. دموعه تسيل على خديه، ودموع خالد تسيل على خديه، ويؤتى بثلاثة من الشهداء في آخر رمق من الحياة، فيصيح خالد عليَّ بالماء؛ ليشربوا فقُدِّم لهم ماء بارد في شدة حرارة الصيف، وقد انتهوا من المعركة، فأعطى خالد الماء لـعكرمة ، فرفض أن يشرب وأشار إلى أخيه أن يشرب قبله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]^ أعطى خالد زميل عكرمة الماء، فأشار إلى زميله، وأشار الزميل إلى زميله، فعاد الماء إلى عكرمة ، فإذا هو قد مات، وعاد إلى الثاني، فالثالث، فالرابع، فإذا هم قد ماتوا، فجهش خالد بالبكاء، ورمى بالكوب مليئاً بالماء البارد، وقال: [[ يا رب! اسقهم من جنتك فإنهم تركوا الماء البارد لمرضاتك ]].
وأثناء معركة اليرموك مات أبو بكر رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه،
فكان أول مرسوم اتخذه عمر في خلافته الجديدة أن يعزل خالد بن الوليد ويولي أبا عبيدة ،
ويأتي الأمر أبا عبيدة ، فيُخفي كتاب عمر ، ولا يخبر خالداً ، ولما انتهت المعركة، قام أبو عبيدة وأخبر خالداً ،
فقال خالد : [[ولِمَ لا تخبرني؟ والله ما قاتلتُ بالأمس لـعمر ، ولن أقاتل اليوم لـعمر ، ولكني أقاتل لله رب العالمين ]]^ يقاتل لله وهو قائد، ويقاتل لله بعد أن يعزل وهو جندي، لأن من أراد بعمله وجه الله آجره الله، ورفع الله مثوبته، لا يهمه منصب ولا قيادة، ومن أراد بعمله الدنيا، فما له عند الله من خلاق.
ليت أبا سليمان وأمثال أبي سليمان يعلمون أننا اليوم قست قلوبنا بالشهوات .. أصابتنا العطالة، والبطالة، والتهور، والكسل عن أفرض فرائض الإسلام، وعن أكبر أركان الإسلام، وعن ذروة سنام الإسلام، نسكن الفلل، ونجلس على الفرش الوثيرة، ونركب السيارات .. أقوياء في الدنيا .. شجعان للدرهم والريال .. أذكياء في أعمالنا ووظائفنا، وفيما يجلب لنا العيش في هذا الدنيا؛ لكننا مع الله لم نقم بواجبنا، وصحابة رسول الله في جوع وشدة وعطش ولكنهم في جهاد، يقومون الليل ويصومون النهار، ويتلون كتاب الله، ويجاهدون في سبيل الله.
يا رب فابعث لنا مِن مثلِهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
يا أمة الإسلام هبوا واعملوا فالوقت راحْ
<< الكفر جمع شمله فلم النزاع والانبطاحْ
<< يا ألف مليون وأين هُمُ إذا دعت الجراح
إنهم أسود على بعضهم، نعاج مع أعدائهم.
يا أحفاد خالد ! يا أبناء الكرام! يا أبناء من أنار بالإسلام المعمورة! يا أحفاد من بنى منائر الحق! مَن غير أجدادكم رفع (لا إله إلا الله)؟ مَن غير أجدادكم سجد لله؟ سلوا المحيطات والبراري والقفار والبحار عن أجدادكم:
سلوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحْمَدِيَّا
أنتم كَهُمْ، ومَن يشابه أبَهُ فما ظلم.
فلنعد عودة صادقة لهذا الدين، ولنتحمس لهذا الدين .. كيف لا يكون ذلك وآباؤنا هم الذين رفعوا راية الله، لكن قَدْ يَخْلُفُ النارَ رمادٌ، فنعوذ بالله أن نكون الرماد، ونعوذ بالله من شر خلف بعد خير سلف، ونعوذ بالله أن نضل أو نزل أو نظن أن غيرنا سبقونا إلى المجد والكرامة.
اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تعليقات
إرسال تعليق