الخطبه البتراء
عندما قدم زياد بن أبيه البصرة سنة 45هـ، ورأى ما عليه أهلها من فسق وخلاف، ومناوأة وتمرد وشغب، قابلهم بخطبة ثائرة سميت بـ"البتراء" وكانت كضربات سيف يوجهها إليهم.
وهذه الخطبة من أروع ما خلفه العصر الأموي من خطب علي كثرتها وتنوعها وغزارتها.
والغموض يكتنف نشأة "زياد بن أبيه"، وقد ولـد في العام الأول للهجرة، وكان مسقط رأسه في الطائف.
وكان زياد شخصية سياسية حرص علي تأكيد ذاته في كل عصر، وفي بداية الدولة الأموية حدث تحول جذرى في فكره وتغير مسار خطه السياسى، وكان لمعاوية، والمغيرة بن شعبة الثقفى أثر في ذلك التحول، وأصبح واليا علي البصرة وخراسان وسجستان، وتولي الولاية علي الكوفة بعد وفاة المغيرة بن شعبة سنة 67م وتفرد بحكم النصف الشرقي من الدولة الإسلامية وتوفي بالطاعون (سنة 53هـ - 673م).
- نص الخطبة
ورد نص هذه الخطبة في الطبرى 6/124، والبيان والتبيين ص 242-244 ، وعيون الأخبار 1/241، والعقد الفريد 4/11، وتختلف هذه الكتب في رواية نص الخطبة حيث تختلف الألفاظ، ولكن لا تختلف المعاني، والنص هنا من رواية الطبرى.
وفي كتاب البيان والتبيين يقول الجاحظ في إسناد الخطبة قال: أبو الحسن المدائنى: ذكر عن مسلمة بن محارب، وعن أبى بكر الهذلي. قالا:
قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن أبي سفيان وضم إليه خراسان وسجستان، والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهر.قالا: فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها، وقال غيرهما بل قال: الحمد لله علي أفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه .اللهم كما زودتنا نعما فألهمنا شكرا.
أما بعد
أـ فإن الجهالة والجهلاء، والضلالة العمياء، والفُجر الموقد لأهله النار الباقي عليهم سعيرها، ما يأتى به سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشي منها الكبير كأن لم تسمعوا بأى الله، ولم تقرؤا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكبير لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذى لا يزول.
أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا ، وسدت مسامعه الشهوات واختارت الفانية علي الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذى لم تسبقوا به من ترككم هذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدد غير قليل.
ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغطون علي المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه صنيع من لا يخاف عقابا ولا يرجو معادا ، ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب، وحرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقاً.
ب – إنى رأيت هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف وشدة في غير جبرية وعنف ، وإنى أقسم بالله لآخذن الولي بالمولي والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول:"انج سعد فقد هلك سعيد وتستقيم لي قناتكم.
إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبه فقد حلت لكم معصيتى، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن ،وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة : فمن غرق قوما غرقناه، ومن حرق علي قوم حرقناه، ومن نقب بيتا نقبا عن قلبه، ومن نبش قبراً دفناه حيا فيه، فكفوا عنى أيديكم والسنتكم أكفف يدى وأذاى، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه.
وقد كانت بينى وبين أقوام إحن، فجعلت ذلك دبر أذنى وتحت قدمى فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عنه إساءته، وإنى لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضى لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدى لى صفحته فإذا فعل لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأعينوا علي أنفسكم. فرب مبتئس بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
جـ - أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا، ونذود عنكم بفئ الله الذى خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا، اعدلنا وفيأنا بمناصحتكم لنا. واعلموا أنى مهما قصرت عنه فإنى لا أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتانى طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبانة ،ولا مجمرا لكم بعثا.
فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذى إليه تأوون ،ومتى تصلحوا يصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم،ويطول له حرمانكم، ولا تدركوا حاجاتكم، مع أنه لو استجيب لكان شرا لكم، أسال الله أن يعين كلا علي كل.
وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة ليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاى.
وهذه الخطبة من أروع ما خلفه العصر الأموي من خطب علي كثرتها وتنوعها وغزارتها.
والغموض يكتنف نشأة "زياد بن أبيه"، وقد ولـد في العام الأول للهجرة، وكان مسقط رأسه في الطائف.
وكان زياد شخصية سياسية حرص علي تأكيد ذاته في كل عصر، وفي بداية الدولة الأموية حدث تحول جذرى في فكره وتغير مسار خطه السياسى، وكان لمعاوية، والمغيرة بن شعبة الثقفى أثر في ذلك التحول، وأصبح واليا علي البصرة وخراسان وسجستان، وتولي الولاية علي الكوفة بعد وفاة المغيرة بن شعبة سنة 67م وتفرد بحكم النصف الشرقي من الدولة الإسلامية وتوفي بالطاعون (سنة 53هـ - 673م).
- نص الخطبة
ورد نص هذه الخطبة في الطبرى 6/124، والبيان والتبيين ص 242-244 ، وعيون الأخبار 1/241، والعقد الفريد 4/11، وتختلف هذه الكتب في رواية نص الخطبة حيث تختلف الألفاظ، ولكن لا تختلف المعاني، والنص هنا من رواية الطبرى.
وفي كتاب البيان والتبيين يقول الجاحظ في إسناد الخطبة قال: أبو الحسن المدائنى: ذكر عن مسلمة بن محارب، وعن أبى بكر الهذلي. قالا:
قدم زياد البصرة واليا لمعاوية بن أبي سفيان وضم إليه خراسان وسجستان، والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهر.قالا: فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها، وقال غيرهما بل قال: الحمد لله علي أفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه .اللهم كما زودتنا نعما فألهمنا شكرا.
أما بعد
أـ فإن الجهالة والجهلاء، والضلالة العمياء، والفُجر الموقد لأهله النار الباقي عليهم سعيرها، ما يأتى به سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشي منها الكبير كأن لم تسمعوا بأى الله، ولم تقرؤا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكبير لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذى لا يزول.
أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا ، وسدت مسامعه الشهوات واختارت الفانية علي الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذى لم تسبقوا به من ترككم هذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدد غير قليل.
ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغطون علي المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه صنيع من لا يخاف عقابا ولا يرجو معادا ، ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب، وحرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقاً.
ب – إنى رأيت هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف وشدة في غير جبرية وعنف ، وإنى أقسم بالله لآخذن الولي بالمولي والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول:"انج سعد فقد هلك سعيد وتستقيم لي قناتكم.
إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبه فقد حلت لكم معصيتى، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن ،وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة : فمن غرق قوما غرقناه، ومن حرق علي قوم حرقناه، ومن نقب بيتا نقبا عن قلبه، ومن نبش قبراً دفناه حيا فيه، فكفوا عنى أيديكم والسنتكم أكفف يدى وأذاى، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه.
وقد كانت بينى وبين أقوام إحن، فجعلت ذلك دبر أذنى وتحت قدمى فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عنه إساءته، وإنى لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضى لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدى لى صفحته فإذا فعل لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأعينوا علي أنفسكم. فرب مبتئس بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
جـ - أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا، ونذود عنكم بفئ الله الذى خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا، اعدلنا وفيأنا بمناصحتكم لنا. واعلموا أنى مهما قصرت عنه فإنى لا أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتانى طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبانة ،ولا مجمرا لكم بعثا.
فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذى إليه تأوون ،ومتى تصلحوا يصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم،ويطول له حرمانكم، ولا تدركوا حاجاتكم، مع أنه لو استجيب لكان شرا لكم، أسال الله أن يعين كلا علي كل.
وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة ليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاى.
تعليقات
إرسال تعليق